الإنسان والوحش- رحلة من الحضارة إلى التوحش العكسي
المؤلف: علي بن محمد الرباعي08.08.2025

عندما وطأت أقدام الإنسان كوكب الأرض، لم يكن ثمة كائنات تشاركه الحياة سوى الحيوانات المفترسة والوحوش الضارية. تداخلت مسارات حياته مع هذه الكائنات، تاركة بصماتها العميقة في تكوينه. سعى الإنسان جاهداً لتطوير أدوات الصيد، ليقتات من لحومها ويستفيد من جلودها وأصوافها، وليحد من شراستها ومنافستها له على الموارد. وبالفعل، حقق الإنسان تفوقاً ملحوظاً؛ فبدأت أعداده في الازدياد المطرد، بينما تقلصت أعداد الحيوانات الوحشية بشكل ملحوظ. لقد انتقم الإنسان من هذه الكائنات، دون أن يدرك أنه سيتقمص يوماً ما طبائعها وسلوكياتها.
ثم انتقل الإنسان إلى مرحلة تربية المواشي ورعي الأغنام، مرتقياً بذلك درجة في سلم الحضارة والتقدم. ومع بزوغ فجر الزراعة، استيقظ الضمير الإنساني في أحضان الطبيعة الخضراء والعيون المتدفقة، كما يصف المؤرخ ويل ديورانت في كتابه "قصة الحضارة". تبع ذلك عصر البناء وتشييد المجتمعات، حيث تضافرت الجهود الجماعية في إرساء دعائم البنية الاجتماعية. واختارت المجتمعات العدالة كمبدأ أساسي لا يمكن الحياد عنه. ومع تأسيس التنظيم الاجتماعي، تهذب الإنسان وتمدن، وأقام حضارته العظيمة، وأصبح سيد الكون بأخلاقه الرفيعة وإنجازاته الباهرة.
توالت التحولات الجذرية والمتلاحقة على حياة البشر، بدءًا من طفرة المال والثروة، مرورًا بالرفاهية المفرطة التي تجاوزت حدود الحاجة، وليس انتهاءً بطفرات التكنولوجيا والآلة. كل هذه التطورات أفقدت الإنسان تدريجياً ضميره الحي وروحه المرهفة. ورغم ذلك، يتوهم الإنسان أنه قد أنجز حضارة عظيمة على وجه الأرض، من خلال تشييد المباني الشاهقة والقصور الفاخرة. لكنه لم يدرك أن كل ذلك كان على حساب أهم سمة بشرية تميزه عن غيره، ألا وهي "الإنسانية".
علماء الاجتماع يؤكدون أن معيار الحضارة لا يقتصر على البناء المادي وحده، ولا على الإنجازات العلمية والاكتشافات التقنية فحسب، بل يكمن في قدرة الإنسان على الحد من نزعاته الوحشية القديمة وتطويعها. والواقع المرير اليوم يؤكد أننا قد استلبسنا صفات الوحش الذي استقبلنا على الأرض عندما هبطنا من السماء (بشكل يفوق قدرتنا على الاحتمال). حتى أن أحدنا لم يعد قادراً على متابعة الأخبار ومشاهدة النشرات لفترة طويلة. وبعض بني البشر لو تأملوا ملياً في أعينهم في المرآة، لأنكروا هذا المخلوق ولوصفوه بالوحش المفترس.
فهل نحن متوحشون بالفطرة؟ أم أن هناك عوامل أخرى أسهمت في توحشنا ولا تزال تفعل ذلك؟ كلا الاحتمالين وارد. فالتعصب الأعمى، والأنانية المفرطة، والخوف والقلق من منافسة الآخرين لنا في مناصبنا ومراتبنا وأرزاقنا، بل وحتى في الجنة التي وصفها الله بأنها "عرضها السموات والأرض"، كل ذلك من أسباب التأزم وضيق الأفق. وكما تأنست بعض الحيوانات بفضل حسن تعامل قلة منا معها، توحشنا نحن بفعل عوامل خارجية وتجاوب داخلي، وتعطلت مقومات الضمير الإنساني فينا حتى في النخب المثقفة. فمن يا ترى سيهذب توحشنا مجدداً ويعيدنا إلى رشدنا؟ هذا والله أعلم.
ثم انتقل الإنسان إلى مرحلة تربية المواشي ورعي الأغنام، مرتقياً بذلك درجة في سلم الحضارة والتقدم. ومع بزوغ فجر الزراعة، استيقظ الضمير الإنساني في أحضان الطبيعة الخضراء والعيون المتدفقة، كما يصف المؤرخ ويل ديورانت في كتابه "قصة الحضارة". تبع ذلك عصر البناء وتشييد المجتمعات، حيث تضافرت الجهود الجماعية في إرساء دعائم البنية الاجتماعية. واختارت المجتمعات العدالة كمبدأ أساسي لا يمكن الحياد عنه. ومع تأسيس التنظيم الاجتماعي، تهذب الإنسان وتمدن، وأقام حضارته العظيمة، وأصبح سيد الكون بأخلاقه الرفيعة وإنجازاته الباهرة.
توالت التحولات الجذرية والمتلاحقة على حياة البشر، بدءًا من طفرة المال والثروة، مرورًا بالرفاهية المفرطة التي تجاوزت حدود الحاجة، وليس انتهاءً بطفرات التكنولوجيا والآلة. كل هذه التطورات أفقدت الإنسان تدريجياً ضميره الحي وروحه المرهفة. ورغم ذلك، يتوهم الإنسان أنه قد أنجز حضارة عظيمة على وجه الأرض، من خلال تشييد المباني الشاهقة والقصور الفاخرة. لكنه لم يدرك أن كل ذلك كان على حساب أهم سمة بشرية تميزه عن غيره، ألا وهي "الإنسانية".
علماء الاجتماع يؤكدون أن معيار الحضارة لا يقتصر على البناء المادي وحده، ولا على الإنجازات العلمية والاكتشافات التقنية فحسب، بل يكمن في قدرة الإنسان على الحد من نزعاته الوحشية القديمة وتطويعها. والواقع المرير اليوم يؤكد أننا قد استلبسنا صفات الوحش الذي استقبلنا على الأرض عندما هبطنا من السماء (بشكل يفوق قدرتنا على الاحتمال). حتى أن أحدنا لم يعد قادراً على متابعة الأخبار ومشاهدة النشرات لفترة طويلة. وبعض بني البشر لو تأملوا ملياً في أعينهم في المرآة، لأنكروا هذا المخلوق ولوصفوه بالوحش المفترس.
فهل نحن متوحشون بالفطرة؟ أم أن هناك عوامل أخرى أسهمت في توحشنا ولا تزال تفعل ذلك؟ كلا الاحتمالين وارد. فالتعصب الأعمى، والأنانية المفرطة، والخوف والقلق من منافسة الآخرين لنا في مناصبنا ومراتبنا وأرزاقنا، بل وحتى في الجنة التي وصفها الله بأنها "عرضها السموات والأرض"، كل ذلك من أسباب التأزم وضيق الأفق. وكما تأنست بعض الحيوانات بفضل حسن تعامل قلة منا معها، توحشنا نحن بفعل عوامل خارجية وتجاوب داخلي، وتعطلت مقومات الضمير الإنساني فينا حتى في النخب المثقفة. فمن يا ترى سيهذب توحشنا مجدداً ويعيدنا إلى رشدنا؟ هذا والله أعلم.